فصل: المقصد العاشر في ولاة الأمور من أرباب السيوف بأعمال الديار المصرية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  المقصد السابع في اختصاص صاحب هذه المملكة

منها الكعبة المعظمة داخلة في نطاق هذه المملكة واختصاصه بكسوتها و دوران المحمل في كل سنة‏.‏

أما كسوة الكعبة فإنها في الزمن الأول مختصةً بالخلفاء وكانت خلفاء بني العباس يجهزونها من بغداد في كل سنة ثم صارت إلى ملوك الديار المصرية يجهزونها في كل سنة واستقرت على ذلك إلى الآن ولا عبرة بما وقع من استبداد بعض ملوك اليمن في بعض الأعصار بذلك في بعض السنين وهذه الكسوة تنسج بالقاهرة المحروسة بمشهد الحسين من الحرير الأسود مطرزةً بكتابة بيضاء في نفس النسج فيها‏:‏ ‏"‏ إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة ‏"‏ الآية‏.‏

ثم في آخر الدولة الظاهرية برقوق استقرت الكتابة صفراء مشعرة بالذهب‏.‏

ولهذه الكسوة ناظر مستقلٌ بها ولها وقف أرض بيسوس من ضواحي القاهرة يصرف منها على استعمالها‏.‏

وأما دوران المحمل فقد جرت العادة أنه يدور في السنة مرتين‏:‏ المرة الأولى في شهر رجب بعد النصف منه يحمل وينادي لأصحاب الحوانيت التي في طريق دورانه بتزيين حوانيتهم قبل ذلك بثلاثة أيام ويكون دورانه في يوم الاثنين أو الخميس لا يتعداهما ويحمل المحمل على جمل وهو في هيئة لطيفة من خركاه وعليه غشاءٌ من حرير أطلس أصفر وبأعلاه قبة من فضة مطلية و يبيت في ليلة دورانه داخل باب النصر بالقرب من باب جامع الحاكم ويحمل بعد الصبح على الجمل المذكور و يسير إلى تحت القلعة فيركب أمامه الوزير و القضاة الأربع و المحتسب والشهود و ناظر الكسوة وغيرهم ويركب جماعة من المماليك السلطانية الرماحة ملبسين المصفات الحديد المغشاة بالحرير الملون وخيولهم ملبسة بالبركستوانات والوجوه الفولاذ كما في القتال وبأيديهم الرماح عليها الشطفات السلطانية فيلعبون تحت القلعة كما في حال الحرب ومنهم جماعة صغار بيد كل منهم رمحان يديرهما في يده وهو واقف على ظهر الفرس وربما كان وقوفه في نعل من خشب على ذباب سيفين من كل جهة وهو يفعل كذلك و يهيئوا من أزيار النفط وغيرها جملة مستكثرة ويطلق تحت القلعة في خلال ذلك ثم يذهب إلى الفسطاط فيمر في وسطه ثم يعود إلى تحت القلعة ويفعل كما في الأول إلا أنه أقل من ذلك ثم يحمل من جامع الحاكم ويوضع في مكان هناك إلى شوال وفي خلال ذلك كله الطبلخانات و الكوسات السلطانية تضرب خلفه ويخلع فيه على جماعة مستكثرة وكذلك يفعل في نصف شوال إلا أنه يرجع من تحت القلعة إلى باب النصر ويخرج إلى الريدانية للسفر ولا يتوجه إلى الفسطاط‏.‏

  المقصد الثامن في انتهاء الأخبار

وهو على ثلاثة أنواع وقد جرت العادة أنه إذا وصل رسولٌ من ملك من الملوك إلى أطراف مملكته كاتب نائب تلك الجهة السلطان عرفه بوفوده واستأذنه في إشخاصه إليه فتبرز المراسيم السلطانية بحضوره فيحضر‏.‏

فإذا وقع الشعور بحضوره فإذا كان مرسله ذا مكانة عظيمة من الملوك‏:‏ كأحد القانات من ملوك الشرق خرج بعض أكابر الأمراء كالنائب وحاجب الحجاب ونحوهما للقائه وأنزل بقصور السلطان بالميدان الذي يلعب فيه الكرة وهو أعلى منازل الرسل‏.‏

وإن كان دون ذلك تلقاه المهمندار واستأذن عليه الدوادار وأنزله دار الضيافة أو ببعض الأماكن على قدر رتبته ثم يرتقب يوم موكبٍ فيجلس السلطان بإيوانه وتحضر أعيان المملكة الذين شأنهم الحضور من أرباب السيوف و الأقلام ويحضر ذلك الرسول وصحبته الكتاب الوارد معه فيقبل الأرض و يتناول الدوادار الكتاب منه فيمسحه بوجه الرسول ثم يدفعه إلى السلطان فيفضه و يدفعه إلى كاتب السر فيقرؤه على السلطان و يأمر فيه أمره‏.‏

النوع الثاني الأخبار التي ترد عليه من جهة نوابه عادة هذا السلطان أن يطالعه نوابه في مملكته بكل ما يتجدد عندهم من مهمات الأمور أو ما قاربها وتؤخذ أوامره وتعود أجوبته عليهم من ديوان الإنشاء بما يراه في ذلك أو يبتدئهم هو بما يقتضيه رأيه وينفذ على البرد أو أجنحة الحمام الرسائلي على ما يأتي ذكره في المقالة الثالثة من وقد جرت العادة أنه إذا ورد بريدٌ من بلد من بلاد المملكة أو عاد المجهز من الأبواب الشريفة بجواب أحضره أمير جاندار و الدوادار وكاتب السر بين يدي السلطان فيقبل الأرض ثم يأخذ الدوادار الكتاب فيمسحه بوجه البريدي ثم يناوله للسلطان فيفضه و يجلس كاتب السر فيقرؤه عليه و يأمر فيه أمره‏.‏

وأما بطائق الحمام فإنه إذا وقع طائر من الحمام الرسائلي ببطاقة أخذها البراج وأتى بها الدوادار فيقطع الدوادار البطاقة عن الحمام بيده ثم يحملها إلى السلطان ويحضر كاتب السر فيقرؤها كما تقدم‏.‏

النوع الثالث أخبار حاضرته جرت العادة أن والي الشرطة يستعلم متجددات ولاياته من قتل أو حريق كبير أو نحو ذلك في كل يوم من نوابه ثم تكتب مطالعةٌ جامعةٌ بذلك وتحمل إلى السلطان صبيحة كل يوم فيقف عليها‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وأما ما يقع للناس في أحوال أنفسهم فلا‏.‏

  المقصد التاسع في هيئة الأمراء بالديار المصرية وترتيب إمرتهم

واعلم أن كل أمير من أمراء المئين أو الطبلخانات سلطان مختصر في غالب أحواله ولكل منهم بيوت خدمة السلطان من الطشت خاناه والفراش خاناه والركاب خاناه و الزردخاناه والمطبخ والطبلخاناه خلا الحوائج خاناه فإنها مختصة بالسلطان ولكل واحد من هذه البيوت مهتار متسلم حاصله وتحت يده رجال وغلمان لكل منهم وظيفة تخصه وكذلك لكل منهم الحواصل من إصطبلات الخيول و مناخات الجمال وشون الغلال وله من أجناده أستادار و رأس نوبة ودوادار و أميرة مجلس وجمدارية وأميراخور وأستادار صحبة ومشرف‏.‏

وتوصف البيوت في دواوين الأمراء بالكريمة فيقال البيوت الكريمة كما يقال في بيوت السلطان البيوت الشريفة وكذلك كل فرد منها فيقال‏:‏ الطشت خاناه الكريمة و الفراش خاناه الكريمة وكذا الباقي ويوصف الإصطبل بالسعيد فيقال الإصطبل السعيد وكذلك المناخ وتوصف الشون بالمعمورة فيقال للشونة المعمورة‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ومن رسم الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث ركب وخلفه جنيب مسرجٌ ملجمٌ وربما ركب الأمير من أكابرهم بجنيبين سواء في ذلك الحاضرة والبر‏.‏

قال‏:‏ ويكون لكل منهم طلب مشتمل على أكثر مماليكه وقدامهم خزانة محمولة للطبلخاناه على جمل واحد يجره راكب على جمل آخر الألف على جملين وربما زاد بعضهم على ذلك‏.‏

وأمام الخزانة عدة جنائب تجر على أيدي مماليك ركاب خيل وهجن و ركابة من العرب على هجن وأمامهم الهجن بأكوارها مجنوبة للطبلخاناه قطار واحد وهو أربعة ومركوب الهجان والألف قطاران وربما زاد بعضهم‏.‏

قال‏:‏ وعدد الجنائب في كثرتها وقلتها إلى رأي الأمير و سعة نفسه والجنائب المذكورة منها ما هو مسرجٌ ملجمٌ ومنها ما هو بعباءة لا غير‏.‏

انتهى كلامه‏.‏

ومن عادتهم أيضاً أن الأمير إذا ركب يكون أكابر أجناده من أرباب الوظائف‏:‏ كرأس نوبة و الدوادار وأمير مجلس ومشاة الخدمة أمامه وكل من كان منهم أكبر كان إليه أقرب وتكون الجمدارية من مماليكه الصغار خلفه وأميراخوره خلف الجميع ومعه الجنائب و الأوشاقية على قاعدة السلطان في ذلك‏.‏

ومن عادة أكابر مجالس بيوتهم أنه ينصب للأمير بشتميخ خلف ظهره من الجوخ الأحمر المزهر بالجوخ الملون برنك ذلك الأمير و طراز فيه ألقابه ويجلس على مقعد مسنداً ظهره إلى البشتميخ وربما جلس أكابرهم على مدورة من جلد و رجلاه على الأرض وتكون الناس في مجلسه في القرب إليه على حسب مراتبهم‏.‏

ومن عادة كل أمير من كبير أو صغير أن يكون له رنك يخصه ما بين هناب أو دواة أو بقجة أو فرنسيسية ونحو ذلك بشطفه واحدة أو شطفتين بألوان مختلفة كل أمير بحسب ما يختاره و يؤثره من ذلك ويجعل ذلك دهاناً على أبواب بيوتهم والأماكن المنسوبة إليهم كمطابخ السكر وشون الغلال والأملاك و المراكب وغير ذلك وعلى قماش خيولهم من جوخ ملون مقصوص ثم على قماش جمالهم من خيوط صوف ملونة تنقش على العبي و البلاسات ونحوها وربما جعلت على السيوف و الأقواس و البركصطوانات للخيل وغيرها‏.‏

ومن عوائد أمراء العسكر بالحضرة السلطانية أنهم يركبون في يومي الاثنين و الخميس في المراكب منضمين على نائب السلطنة الكافل إن كان وإلا فعلى حاجب الحجاب ويسيرون تحت القلعة مراتٍ ثم يقفون بسوق الخيل و تعرض عليهم خيول المناداة وربما نودي على كثير من آلات الخيل و الخيم و الخركاوات و الأسلحة‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ و قد ينادى على كثير من العقارات ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية على ما تقدم‏.‏

ومن قاعدة هذه المملكة أن أجناد الأمراء كافة تعرض بديوان الجيوش السلطانية و تثبت أسماؤهم مفصلة فيه وكانوا فيما تقدم يحلون بالديوان‏.‏

أما الآن فقد ترك ما هنالك واكتفي بأوراق تكتب من دواوين الأمراء بأسماء أجناده و تخلد بديوان الجيوش ثم كلما مات واحد منهم أو فصل من الخدمة عرض بديوان الجيش واحد مكانه يعبر فيه عرض من ديوان ذلك الأمير‏.‏

ومن عادتهم أن من مات من الأمراء و الجند قبل استكمال سنة خدمته حوسب في مستحق إقطاعه على مقدار مدته وكتب له بذلك محاسبة من ديوان الجيوش ويكون ما يتحصل من المغل شركة بين المستقر و بين الميت أو المنفصل على حسب استحقاق القراريط كل شهر من السنة بقيراطين‏.‏

ومن عادة الأمراء أنه مر السلطان في متصيداته بإقطاع أمير كبير قدم له من الإوز والدجاج وقصب السكر والشعير ما تسمو إليه همة مثله فيقبله منه ثم ينعم عليه بخلعة كاملة يلبسها وربما أمر لبعضهم بشيء من المال فيقبضه‏.‏

  المقصد العاشر في ولاة الأمور من أرباب السيوف بأعمال الديار المصرية

وهم على أربع طبقات الطبقة الأولى النواب والمستقر بها ثلاث نيابات الأولى نيابة الإسكندرية‏:‏ وهي نيابة جليلة نائبها من الأمراء المتقدمين يضاهي في الرتبة نيابة طرابلس و ما في معناها أو يقاربها وبها حاجبٌ أمير عشرة وحاجب جندي ووال للمدينة وأجناد حلقةٍ عدتهم مائتا نفر يعبر عنهم بأجناد المائتين وبها قاضي قضاة مالكي وقاض حنفي مستحدث وربما كان بها قاض شافعي والمالكي أكبر الكل بها وهو المتحدث في أموال الأيتام و الأوقاف‏.‏

على انه ربما ولي قضاء قضاتها في الزمن الماضي شافعي وبها موقع يعبر عنه في البلد بكاتب السر وناظر متحدث في الأموال الديوانية ومعه مستوف وتحت يده كتابٌ و شهود وبها محتسب وليس بها قضاة عسكر ولا مفتو دار عدل ووكيل بيت المال بها نائب عن نائب بيت المال بالقاهرة وتركز بها أمراء المقدمين والطبلخانات في غير الزمن الذي يمتنع سير المراكب الحربية في البحر بشدة الريح منها ووال للتركيز يسمى الحاجب‏.‏

وقد مر القول على معاملتها وذكر أحوالها في الكلام على قواعد الديار المصرية المستقرة فأغنى عن إعادته هنا‏.‏

وهذه النيابة مع جلالة قدرها ورفعة محلها ليس لها عمل يحكم فيه نائبها ولا قاضيها ومحتسبها بل حكمهم قاصر على المدينة و ظواهرها لا يتعدى ذلك بخلاف غيرها من سائر نيابات المملكة وبها كرسي سلطنة بدار النيابة وعادة الخدمة السلطانية بها في أيام المواكب أن يركب نائب السلطنة من دار النيابة وفي خدمته مماليكه وأجناد المائتين المتقدم ذكره ويخرج من دار النيابة عند طلوع الشمس ويسير في موكبه و الشبابة السلطانية بين يديه حتى يخرج من باب البحر ويخرج الأمراء المركزون على حدتهم أيضاً ويجتمعون في الموكب و يسيرون خارج باب البحر ساعة ثم يعودون ويتوجه النائب إلى دار النيابة في مماليكه وأجناد المائتين وقد فارقه الأمراء المركزون و توجه كل منهم إلى منزله‏.‏

فإذا صار إلى دار النيابة‏:‏ فإذا كان في ذلك الموكب سماطٌ وضع الكرسي في صدر الإيوان مغشىً بالأطلس الأصفر ووضع عليه سيف نمجاة سلطانية و مد السماط تحته وأكل مماليك النائب وأجناد المائتين و جلس النائب بجنبة من الإيوان و الشباك مطلِ على مينا البلد ويجلس القاضي المالكي عن يمينه والقاضي الحنفي عن يساره والناظر تحته والموقع بين يديه ورؤوس البلد على قدر منازلهم وترفع القصص فيقرؤها الموقع على النائب فيفصلها بحضرة القضاة ثم ينصرف الموكب‏.‏

قلت‏:‏ وهذه النيابة مستحدثة وكان ابتداء ترتيبها في سنة سبع و ستين و سبعمائة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين حين طرقها الفرنج و فتكوا بأهلها وقتلوا و نهبوا وأسروا وكانت قبل ذلك ولايةً تعد في جملة الولايات الطبلخاناه وكان لواليها الرتبة الجليلة و المكانة العلية‏.‏

الثانية نيابة الوجه البحري‏.‏

وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق ونائبها من الأمراء المقدمين وهو في رتبة مقدم العسكر بغزة الآتي ذكره في الممالك الشامية ومقر نيابتها مدينة دمنهور بالبحيرة وحكمه على جميع بلاد الوجه البحري المتقدم ذكرها في الكلام على أعمال الديار المصرية المستقرة خلا الإسكندرية وليست على قاعة النيابات في ركوب المراكب و ما في معناها بل نائبها في الحقيقة كاشفٌ كبير وليس فيها رسوم النيابة سوى لبس التشريف وكتابة التقليد والمكاتبة بما يكاتب به مثل نائبها من النواب وقد كان القائم بها في الزمن الأول قبل استقرارها نيابةً يعبر عنه بوالي الولاة‏.‏

الثالثة نيابة الوجه القبلي‏.‏

وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق أيضاً وكان مقر نائبها مدينة أسيوط وحكمه على جميع بلاد الوجه القبلي وهي في الترتيب و الرتبة على ما تقدم من نيابة الوجه البحري غير أنها أعظم خطراً في النفوس و كان القائم بها قبل ذلك يسمى والي الولاة كما تقدم في الوجه البحري‏.‏

الطبقة الثانية الكشاف قد تقدم أنه استحداث النيابة بالوجهين القبلي و البحري كان بهما كاشفان يعبر عن كل منهما بوالي الولاة ولما استقر نيابتين جعل للوجه البحري كاشفٌ من أمراء الطبلخاناه على العادة المتقدمة وهو في الحقيقة تحت أمر نائب الوجه البحري ومقرته منية غمر من الشرقية وجعل كاشف آخر للبهنساوية و الفيوم وعطل الفيوم من الوالي و باقي الوجه القبلي أمره راجعٌ إلى نائبه وللجيزية كاشفٌ يتحدث في جسورها و سائر متعلقاتها ولا يتعدى أمره إلى غيرها من النواحي‏.‏

الطبقة الثالثة الولاة بالوجهين القبلي و البحري المرتبة الأولى الولاة من أمراء الطبلخاناه‏.‏

وهي ولاية بالوجهين القبلي و البحري على ما استقر عليه الحال‏.‏

فأما الوجه القبلي ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة‏:‏ وهي ولاية البهنسى وولاية الأشمونين وولاية قوص وهي أعظمها حتى إن واليها كان يركب بالشبابة أسوة النواب بالممالك وولاية أسوان‏:‏ وهي مستحدثة في الدولة الظاهرية برقوق وكانت قبل ذلك مضافة إلى والي قوص يجعل فيها نائباً من تحت يده وكانت ولاية الفيوم طبلخاناه ثم استقرت كشفاً على ما تقدم‏.‏

أما أسيوط فلم يكن بها والٍ لكونها مقر نائب الوجه القبلي و مقر والي الولاة من قبله وسيأتي ما كان ولاية طبلخاناه من الوجه القبلي ثم نقل‏.‏

وأما الوجه البحري ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة وهي ولاية الشرقية ومقر واليها بلبيس وولاية المنوفية و مقر واليها مدينة منوف وولاية الغربية ومقر واليها المحلة الكبرى وهي تضاهي ولاية قوص من الوجه القبلي إلا أن واليها لم يركب بالشبابة قط وولاية البحيرة ومقر واليها مدينة دمنهور وربما عطلت ولايتها لكونها مقرة النائب وقد تقدم أن ولاية النائب قبل أن تستقر نيابة كانت ولاية طبلخاناه‏.‏

المرتبة الثانية من الولاة أمراء العشرات‏.‏

وهي سبع ولايات بالوجهين‏:‏ فأما القبلي ففيه من هذه الرتبة ثلاث ولايات‏:‏ ولاية الجيزة وكانت قبل ذلك طبلخاناه وولاية إطفيح ولم تزل عشرة وولاية منفلوط وولايتها عشرون وكانت قبل ذلك ولاية طبلخاناه وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية ابن قلاوون وما بعدها وال أمير عشرة يولى من قبل السلطان و يراجع والي قوص في الأمور المهمة‏.‏

وأما الوجه البحري ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة ولاية منوف وولاية أشموم وولاية دمياط وولاية قطيا وكانت قبل ذلك طبلخاناه‏.‏

الطبقة الرابعة أمراء العربان بنواحي الديار المصرية قد تقدم في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى ذكر أصول أنساب العرب وانقسامهم إلى قحطانية وهم العاربة إلى عدنانيةٍ وهم المستعربة وبيان رجوع كل بطن من بطون العرب الموجودين الآن بالديار المصرية و غيرها إلى قبيلتهم التي إليها ينتسبون وبيان من بوجهي الديار المصرية القبلي و البحري من القبائل وأفخاذ كل قبيلة المتشعبة منها‏.‏

والمقصود بيان أمراء العربان بالوجهين المذكورين في القديم و الحديث‏.‏

فأما الوجه القبلي فقد ذكر الحمداني أن الإمرة به في بيتين من بلي من قضاعة بن حمير بن سبإٍ من القحطانية‏.‏

الأول بنو شادٍ المعروفون ببني شادي‏.‏

وكانت منازلهم بالقصر الخراب المعروف بقصر بني شادي بالأعمال القوصية وتقدم هناك أنه قيل إنهم من بني أمية بن عبد شمس من قريشٍ‏.‏

الثاني العجالة‏.‏

وهم بنو العجيل بن الذئب منهم أيضاً وكانوا معهم هناك‏.‏

العمل الثاني عمل الأشمونين‏.‏

وكانت الإمرة به في بني ثعلب من السلاطنة وهم أولاد أبي جحيش من الحيادرة من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق من عقب الحسين السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكانت منازلهم بدروت سربام وغلب عليها الشريف حصن الدين بن ثعلب فعرفت بدورت الشريف من يومئذ واستولى عليها و على بلاد الصعيد‏.‏

وقد تقدم أنه كان في آخر الدولة الأيوبية‏.‏

فلما ولي المعز أبيك التركماني‏:‏ أول ملوك الترك بالديار المصرية السلطنة انف من سلطته و سمت نفسه إلى السلطنة فجهز إليه المعز جيوشاً فجرت بينهم حروبٌ لم يظفروا به فيها وبقي على ذلك إلى أن كانت دولة الظاهر بيبرس فنصب له حبائل الحيل وصاده بها وشنقه بالإسكندرية‏.‏

العمل الثالث البهنسى وكانت الإمرة فيه في بيتين‏:‏ الأول أولاد زعازع‏.‏

بضم الزاي من بني جديدي من بني بلار من لواثة من البربر أو من قيس عيلان على الخلاف السابق عند ذكر نسبهم في المقالة الأولى‏.‏

قال الحمداني‏:‏ وهم أشهر من في الثاني أولاد قريشٍ‏.‏

قال الحمداني‏:‏ وهم أمراء بني زيد ومساكنهم نويرة دلاص‏.‏

قال‏:‏ وكان قريشٌ هذا عبداً صالحاً كثير الصدقة ومن أولاده سعد الملك المشهور بنوه هناك‏.‏

وذكر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف‏:‏ أن الإمرة بالوجه القبلي في زمانه وهو سلطنة الناصر محمد بن قلاوون وما وليها كانت لناصر الدين عمر بن فضل ولم يذكر مقرته ولا من أي العرب هو وذكر أيضاً أن إمرة فيما فوق أسوان كانت في عرب يقال لهم الحدارية في سميرة بن مالك‏.‏

قال‏:‏ وهو ذو عدد جم وشوكة منكية يغزو الحبشة وأمم السودان ويأتي بالنهاب والسبايا وله أثر محمودٌ وفضلٌ مأثور وفد على السلطان فأكرم مثواه وعقد له لواء و شرف بالتشريف وقلد وكتب إلى ولاة الوجه القبلي عن آخرهم وسائر العربان بمساعدته ومعاضدته والركوب للغزو معه متى أراد وكتب له منشور بما يفتحه من البلاد وتقليدٌ بإمرة عربان القبلة مما يلي قوص إلى حيث تصل غايته وتركز رايته‏.‏

قلت‏:‏ أما في زماننا فمذ وجهت عرب هوارة وجوهها من عمل البحيرة إلى الوجه القبلي و نزلت به انتشرت في أرجائه انتشار الجراد وبسطت يدها من الأعمال البهنساوية إلى منتهاه حيث أسوان وما والاها وأذعنت لهم سائر العربان بالوجه القبلي قاطبةً وانحازوا إليهم وصاروا طوع قيادهم‏.‏

الأول بنو عمر‏:‏ محمد وإخوته‏.‏

ومنازلهم بجرجا و منشأة إخميم وأمرهم نافذ إلى أسوان من القبلة وإلى آخر الأشمونين من بحري‏.‏

الثاني أولاد غريب‏.‏

وبيدهم بلاد البهنسى ومنازلهم دهروط وما حولها‏.‏

وأما الوجه البحري فقد ذكر الحمداني أن الإمرة فيهم في خمسة أعمال‏:‏ العمل الأول الشرقية‏.‏

قال‏:‏ والإمرة فيها في قبيلتين‏.‏

الأولى ثعلبة وذكر أن الإمرة كانت فيهم في شقير بن جرجي من المصافحة من بني زريقٍ وفي عمر بن نفيلة من العليميين‏.‏

الثانية جذام‏:‏ وقد ذكر أن الإمرة كانت فيهم في خمسة بيوت‏.‏

الأول بيت أبي رشد بن حبشي بن نجم بن إبراهيم من العقيليين‏:‏ بني عقيل بن قرة بن موهوب بن عبيد بن مالك بن سويد من بني زيد بن حرام بن جذام أمر بالبوق و العلم‏.‏

الثاني طريف بن مكنون من بني الوليد بن سويد المقدم ذكره وإلى طريف هذا ينسب بنو طريف من بلاد الشرقية‏.‏

قال الحمداني‏:‏ وكان من أكرم العرب كان في مضيفته أيام الغلاء اثنا عشر ألفاً تأكل عنده وكان يهشم الثريد في المراكب‏.‏

قال‏:‏ ومن بنيه فضل بن سمح بن كمونة وإبراهيم بن عالي أمر كل منهما بالبوق و العلم‏.‏

الثالث بيت أولاد منازل من ولد الوليد المذكور كان منهم معبد بن مبارك أمر بالبوق و العلم‏.‏

الرابع بيت نمي بن خثعم من بني مالك بن هلبا بن مالك بن سويد أقطع خثعم بن نمي المذكور و أمر واقتنى عدداً من المماليك الأتراك و الروم وغيرهم وبلغ من الملك الصالح أيوب منزلةً ثم حصل عند الملك المعز أبيك التركماني على الدرجة الرفيعة وقدمه على عرب الديار المصرية ولم يزل على ذلك حتى قتله غلمانه فجعل المعز ابنيه‏:‏ سلمى و دعش عوضه فكانا له نعم الخلف ثم قدم دعش دمشق فأمره الملك الناصر صاحب دمشق يومئذ من بني أيوب ببوق و علم وأمر الملك أبيك أخاه سلمى كذلك‏.‏

الخامس بيت مفرج بن سالم بن راضي من هلبا بعجة ابن زيد بن سويد بن بعجة من بني زيد بن حرام بن جذام أمره المعز أبيك التركماني بالبوق و العلم‏.‏

وذلك انه حين أراد المعز تأمير سلمى بن خثعم المقدم ذكره امتنع أن يؤمر حتى يؤمر مفرج بن غانم فأمر‏.‏

العمل الثاني المنوفية‏.‏

و الإمرة فيها لأولاد نصير الدين من لواتة ولكن إمرتهم في معنى مشيخة العرب‏.‏

العمل الثالث الغربية‏.‏

والإمرة فيه في أولاد يوسف من الخزاعلة من سنبس من طيء من كهلان العمل الرابع البحيرة‏.‏

وقد ذكر في التعريف‏:‏ أن الإمرة في الدولة الناصرية ابن قلاوون كانت لخالد بن أبي سليمان وفائد بن مقدم‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وكانا أميرين سيدين جليلين ذوي كرم و إفضال و شجاعة و ثبات رأي وإقدام‏.‏

العمل الخامس برقة‏.‏

قال في التعريف‏:‏ ولم يبق من أمراء العرب ببرقة يعني في زمانه إلا جعفر بن عمر وكان لا يزال بين طاعة وعصيان ومخاشنة وليان والجيوش في كل وقت تمد إليه وقل أن تظفر منه بطائل أو رجعت منه بمغنم وإن أصابته نوبةٌ من الدهر‏.‏

قال‏:‏ وآخر أمره أن ركب طريق الواح حتى خرج من الفيوم و طرق باب السلطان لائذاً بالعفو ووصل ولم يسبق به خبرٌ ولم يعلم السلطان به حتى استأذن له عليه وهو في جملة الوقوف بالباب فأكرم أتم الكرامة وشرف بأجل التشاريف و أقام مدة في قرى الإحسان و إحسان القرى وأهله لا يعلمون ما جرى ولا يعلمون أين يمم ولا أي جهة نحا حتى أتتهم وافدات البشائر و جاءت منه‏.‏

فقال له السلطان‏:‏ لم لا أعلمت أهلك بقصدك إلينا قال‏:‏ خفت أن يقولوا‏:‏ يفتك بك السلطان فأتثبط فاستحسن قوله وأفاض عليه طوله ثم أعيد إلى أهله فانقلب بنعمةٍ من الله لم يمسسهم سوء و لا رثى له صاحبٌ ولا شمت به عدو‏.‏

قلت‏:‏ والإمرة اليوم في برقة في عمر بن عريف وهو رجل دينٌ وكان أبوه عريف ذا دين متين

  الفصل الخامس من الباب الثالث من المقالة الثانية في المملكة الشامية وما يتصل بها من بلاد الأرمن و الروم وبلاد الجزيرة بين الفرات و الدجلة

مما هو مضاف إلى هذه المملكة وفيه ستة أطراف الطرف الأول في فضل الشام و خواصه وعجائبه وفيه مقصدان

  المقصد الأول في فضل الشام

أعظم شاهد لذلك ما أخرجه الترمذي من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ‏"‏ كنا يوماً مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نؤلف القرآن من الرقاع‏.‏

فقال رسول الله‏:‏ طوبى لأهل الشام‏.‏

فقلت‏:‏ لم ذاك يا رسول الله قال‏:‏ لأن الملائكة باسطةٌ أجنحتها عليه ‏"‏‏.‏

هذا وقد بعث به الكثير من الأنبياء عليهم السلام وفيه ضرائحهم الشريفة و المسجد الأقصى الذي هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وهو أول القبلتين وبه ينزل المسيح عليه السلام بمنارة جامع دمشق وبه يقتل الدجال بمدينة لد‏.‏

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال‏:‏ ‏"‏ إن الله بارك فيما بين العرش إلى الفرات وخص فلسطين بالتقديس ‏"‏‏.‏

  المقصد الثاني في خواصه و عجائبه

أما خواصه فإن به الأماكن التي تعظمها الأمم على اختلاف عقائدهم كالصخرة التي هي قبلة اليهود والقمامة التي يحجها النصارى من سائر أقطار الأرض وطورنابلس الذي تحجه السامرة وبمدينة صور كنيسةٌ تعتقد طائفةٌ من النصارى انه لا يصح تمليك ملوكهم إلا منها على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال صفد إن شاء الله تعالى وغير ذلك مما تنقاد به الأمم إلى صاحب هذه المملكة و تذعن لمسالمته‏.‏

وأما عجائبه فكثيرة‏.‏

منها‏:‏ حمة طبرية المشهورة‏:‏ وهي عين تنبع ماءً شديد الحرارة يكاد يسلق البيضة يقصدها المترددون للاستشفاء بالاغتسال فيها‏.‏

قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات‏:‏ وليس فيها حمام ومنها قبة العقارب بمدينة حمص‏.‏

وهي قبة بالقرب من مسجدها الجامع إذا أخذ شيء من تراب حمص وجبل بالماء وألصق بداخل تلك القبة و ترك حتى يجف و يسقط بنفسه من غير أن يلقيها أحد ثم أخذت ووضع منها شيءٌ في بيت لم يدخله عقربً أو في قماش لم يقربه وإن ذر على عقرب منه شيء أخذها مثل السكر فربما زاد عليها فقتلها بل قيل إن ذلك لا يختص بالقبة بل عامة أرض البلد كذلك حتى لا يدخلها عقرب إلا مات بل لا يقرب ثياباً ولا أمتعة عليها غبارها وإلى ذلك أشار القاضي الفاضل في البشرى بفتوحها بقوله‏:‏ ‏"‏ ودبت إليها عقارب المجانيق فخالفت عادة حمص في العقارب ورميت الحجارة بالحجارة فوقعت العداوة المعروفة بين الأقارب ‏"‏‏.‏

ومنها عين فوارةٌ داخل البحر الملح على القرب من ساحل مدينة طرابلس على قدر رمية حجر عن البئر تنبع ماءً عذباً يطفو على وجه الماء قدر ذراع أو أكثر يتبين عند سكون الريح‏.‏

ومنها‏:‏ وادي الفوار وهو وادٍ بالقرب من حصن الأكراد من عمل طرابلس غرباً عنه بشمال على الطريق السالكة‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهي صفة بئر قائمة في الأرض وفي سفل الأرض سردابٌ ممتدٌ إلى الشمال يفور في كل أسبوع يوماً واحداً لا غير فتسقى به أرضٌ ومزدرعاتٌ وينزل عليه التركمان و يردونه ويسمع له قبل فورانه دوي كالرعد وهو بقية الأيام يابسٌ لا ماء فيه‏.‏

قال‏:‏ وذكر لي من دخل السرداب أن في نهايته نهراً كبيراً آخذاً من الغرب إلى الشرق تحت الأرض له جريان قوي وبه موج وريح عاصف لا يعرف إلى أين يجري ولا من أي جهة يأتي‏.‏

ومنها حمام القدموس من قلاع الدعوة من عمل طرابلس يخرج منها أنواع كثيرٌ من الحيات تظهر من أنابيب مائها و تدخل في ثياب داخلها ولم يشتهر أنها أضرت أحداً قط على ممر الدهور و تطاول الأزمنة حكاه في مسالك الأبصار‏.‏

ومنها صدعً في سور الخوابي من قلاع الدعوة من عمل طرابلس أيضاً‏.‏

إذا لدغ أحد بحيةٍ فأتى إلى ذلك الموضع فشاهده بعينه أو أرسل رسوله فشاهده سلم من تلك اللدغة ولم يضره السم‏.‏

إلى غير ذلك من العجائب الظاهرة و المندرسة بمرور الزمان عليها‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ وبقرى حلب قريةٌ تسمى براق يقال إن بها معبداً يقصده أصحاب الأمراض ويبيتون به‏.‏

فإما أن يرى المريض في منامه من يقول له استعمل كذا و كذا فيبرأ أو يمسح عليه بيده فيبرأ‏.‏

قال في تاريخه‏:‏ وبقرية مبرون من قرى صفد مغارة يظهر فيها الماء في يوم من السنة تجتمع إليه اليهود في ذلك اليوم ويجلبون منه الماء إلى البلاد البعيدة وبوادي دلسه من عملها عينٌ تعرف بعين الجن تفور لحظة كالنهر ثم تغور حتى لا يبقى فيها ماء ثم تفور كذلك ليلاً و نهاراً وبقرية بكوزا من قرى صفد عنبٌ داخل العنبة عنبةٌ أخرى وبقرية عدشيب من قراها بلوطٌ يؤخذ الواحد منه من الشجرة فيوجد حضنها حجر وبقرية عياض تراب الجير إذا عمل منه كوزٌ و سقي فيه الكسير من آدمي أو غيره جبر عظمه و بالناصرة من أعمالها كنيسة بها عمود إذا اجتمع عنده جماعة و عملوا سماعاً عرق العمود حتى يظهر عرقه‏.‏

الطرف الثاني في حدوده و ابتداء عمارته وتسميته شاماً وفيه مقصدان المقصد الأول في حدوده وقد اختلف في تحديده فذكر في التعريف أن حده من القبلة إلى البر المقفر‏:‏ تيه بني إسرائيل و بر الحجاز والسماوة إلى مرمى الفرات بالعراق‏.‏

قال‏:‏ وهذه المحادات كلها من جزيرة العرب‏.‏

وحده من الشرق طرف السماوة و الفرات‏.‏

وحده من الشمال البحر الرومي‏.‏

وحده من الغرب حد مصر المتقدم ذكره وذكر في تقويم البلدان‏:‏ أن حده من أول رفح التي في الجفار بين مصر والشام إلى حدود تيه بني إسرائيل إلى ما بين الشوبك وأيلة من البلقاء وحده من الشرق من البلقاء إلى مشاريق صرخد آخذاً على أطراف الغوطة إلى سلمية إلى مشاريق حلب إلى بالس وحده من الشمال من بالس مع الفرات إلى قلعة نجم إلى البيرة إلى سميساط إلى حصن منصور إلى بهنسى إلى مرعش إلى بلاد سيس إلى طرسوس إلى بحر الروم وحده من الغرب من طرسوس المذكورة آخذاً على ساحل البحر الرومي إلى رفح المتقدمة الذكر حيث وقع الابتداء‏.‏

قلت‏:‏ والخلف بينهما في شيئين‏:‏ أحدهما انه في التعريف جعل حده الشمالي إلى البحر الرومي وحده الغربي حد مصر المتقدم ذكره وفي تقويم البلدان جعل حده الشمالي البلاد التي بين الفرات و البحر الرومي وحده الغربي البحر الرومي من طرسوس إلى رفح فيدخل حد مصر الذي حد به الجانب الغربي في التعريف في هذا الحد وكأن الموقع لهما في ذلك أن البحر الرومي عن الشام غرباً بشمال فجنح كل منهما إلى جهة‏.‏

الثاني أنه في تقويم البلدان أدخل بلاد الأرمن المتصلة بآخر بلاد حلب من الشمال في حدود الشام وفي التعريف أخرجها وهو التحقيق‏.‏

وقد صرح بذلك في التعريف فيما بعد فقال بعد أن أفرد الفتوحات الجاهانية التي هي أول بلاد الأرمن من جهة حلب بالذكر‏:‏ ‏"‏ وأتيت بها ههنا إذ لم يكن لها تعلقٌ بمملكة تذكر فيها وليست من الشامات في شيء و إنما هي من بلاد الأرمن المسماة قديماً ببلاد العواصم و الثغور ‏"‏ وسيأتي الكلام على بلاد الأرمن بمفردها في جملة أعمال حلب في الكلام على قواعد المملكة الشامية إن شاء الله تعالى‏.‏

على أن ما ذكره من التحديد في التعريف و تقويم البلدان لا يخلو عن تساهل فقد قال في التعريف بعد ذكر الحدود التي أوردها‏:‏ وهذه الحدود هي الجامعة على ما يحتاج إليه وإذا فصلت إلى زيادة إيضاح‏.‏

وقال في تقويم البلدان بعد ذكر الحدود التي أوردها أيضاً‏:‏ وبعض هذه الحدود قد تقع شرقيةً عن بعض الشام وهي بعينها جنوبية عن بعض آخر مثل البلقاء فإنها جنوبيةٌ عن حلب وما على سمتها وشرقيةٌ عن مثل غزة و ما على سمتها فليعلم العذر في ذلك‏.‏

قال ابن حوقل‏:‏ وطول الشام من ملطية إلى رفح خمس و عشرون مرحلة‏.‏

فمن ملطية إلى منبج أربع مراحل ومن منبج إلى حلب مرحلتان ومن حلب إلى حمص خمس مراحل ومن حمص إلى دمشق خمس مراحل ومن دمشق إلى طبرية أربع مراحل ومن طبرية إلى الرملة ثلاث مراحل ومن الرملة إلى رفح مرحلتان‏.‏

قال التيفاشي في سرور النفس‏:‏ وطوله أكثر من شهر‏.‏

قال ابن حوقل‏:‏ وأعرض ما فيه طرفاه‏.‏

فأحد طرفيه من الفرات من جسر منبج على منبج على قورس في حد قنسرين ثم على العواصم في حد إنطاكية ثم يقع على جبل اللكام ثم على المصيصة ثم على أذنة ثم على طرسوس وذلك نحو عشر مراحل وهذا هو السمت المستقيم‏.‏

والطرف الآخر يأخذ في البحر من حد يافا من جند فلسطين حتى ينتهي إلى الرملة إلى بيت المقدس ثم إلى أريحا ثم إلى زغر ثم إلى جبل الشراة إلى أن يأتي إلى معان وتقدير ذلك ست مراحل‏.‏

ثم قال‏:‏ أما ما بين هذين الطرفين من الشام فلا يكاد بين الأردن و دمشق وحمص يزيد على أكثر من ثلاثة أيام لأن من دمشق إلى طرابلس على بحر الروم غرباً يوماً وإلى أقصى الغوطة شرقاً حتى يتصل بالبادية يوماً ومن حمص إلى أنطرطوس على بحر الروم غرباً يومين ومن حمص إلى سلمية على البادية شرقاً يوماً ومن طبرية من جند الأردن إلى صور على البحر الرومي غرباً يوماً ومنها إلى أريحا على حدود بني فزارة شرقاً يوماً‏.‏

  المقصد الثاني في ابتداء عمارته و تسميته شاماً

أما ابتداء عمارته فقد روى الحافظ بن عساكر في تاريخ الشام عن هشام ابن محمد عن أبيه‏:‏ أن نوحاً عليه السلام لما قسم الأرض بين بينه لحق قوم من بني كنعان بن حام بن نوح عليه السلام بالشام فسميت الشام حين تشاءموا إليها يعني من أرض بابل كما جاء في الرواية الأخرى‏.‏

قال‏:‏ فكانت الشأم يقال لها لذلك أرض كنعان‏:‏ وجاء بنو إسرائيل فأجلوهم عنها وبقيت الشام لبني إسرائيل إلى أن غلب عليه الروم وانتزعوه منهم فأجلوهم إلى العراق إلا قليلاً منهم ثم جاء العرب فغلبوا على الشام يعني في الفتح الإسلامي ثم الشأم مهموز مقصور‏.‏

قال النوري في تهذيب الأسماء واللغات وغيره‏:‏ ويجوز فيه فتح الشين و المد‏.‏

قال‏:‏ وهي ضعيفة وإن كانت مشهورة قال الجوهري‏:‏ ويجوز فيه التذكير والتأنيث‏.‏

قال النوري‏:‏ والمشهور التذكير‏.‏

وقد اختلف في سبب تسميته شاماً فقيل لتشاؤم بني كنعان إليه كما تقدم في كلام ابن عساكر وقيل سمي بسام بن نوح لأنه نزل به واسمه بالسريانية شام بشين معجمة والعرب تنقلها إلى السين المهملة‏.‏

وقيل لأن أرضه مختلفة الألوان بالحمرة و السواد و البياض فسمي شاماً لذلك كما يسمى الخال في بدن الإنسان شامة‏.‏

وقيل سميت شاماً لأنها عن شمال الكعبة والشام لغة في الشمال‏.‏

قال أبو بكر بن محمد‏:‏ ويجوز فيه وجهان أحدهما أن يكون من اليد الشؤمى و هي اليسرى والثاني أن يكون فعلاً من الشؤم‏.‏

في أنهاره و بحيراته وجباله المشهورة و زروعه و فواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه و طيوره وفيه ستة مقاصد المقصد الأول في ذكر الأنهار العظام بالشام وما هو مضاف إليه مما يتكرر ذكره بذكر البلدان وهي أربع أنهار الأول نهر الفرات وهو أعظمها وقد تقدم في الكلام على النيل أنه شقيقه في الخروج من الجنة‏.‏

وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه فيقتتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلي أنا الذي أنجو به ‏"‏ وأول ابتدائه من شمالي مدينة أرزن الروم وشرقيها وهي آخر بلاد الروم من جهة الشرق حيث الطول أربعٌ و ستون درجة والعرض اثنتان وأربعون درجة ونصفٌ ثم يأخذ إلى قرب ملطية ثم يأخذ إلى سميساط ثم يأخذ مشرقاً ويتجاوز قلعة الروم من شماليها و شرقيها ثم يسير إلى البيرة من جنوبيها ثم يمر مشرقاً حتى يجاوز بالس ثم قلعة جعبر ويتجاوزها إلى الرقة ثم يسير مشرقاً ويتجاوز الرحبة من شماليها و يسير إلى عنة ثم يمتد إلى هيت ويمتد حتى يجاوز مخرج نهر كوثى الآتي ذكره فينقسم قسمين ويمر أحدهما‏:‏ وهو الجنوبي إلى الكوفة ويتجاوزها ويصب في بطائح العراق ويمر الآخر‏:‏ وهو أعظمها بإزاء قصر ابن هبيرة ويعرف هذا القسم بنهر سورا بضم السين المهملة وآخره ألف يمد ويقصر وهي قرية على النهر نسب إليها ويتجاوز قصر ابن هبيرة ويسير جنوباً إلى مدينة بابل القديمة ويتفرع منه بعد أن يجاوز بابل عدة أنهر ويمر عموده إلى مدينة النيل ويجاوزها حتى يصب في دجلة ويسمى من بعد مجاوزة النيل نهر الصراة‏.‏

وعلى الفرات أنهار تصب فيه وأنهار تخرج منه ليس بنا حاجة إلى تفصيلها‏.‏

الثاني نهر حماة‏:‏ ويسمى العاصي لأن غالب الأنهار تسقي الأرض بغير دواليب ولا نواعير بل تركب البلاد بأنفسها ونهر حماة لا يسقي ويسمى العاصي لأن غالب الأنهار تسقي الأرض بغير دواليب ولا نواعير بل تركب البلاد بأنفسها ونهر حماة لا يسقي لا بنواعير تنزع الماء منه ويسمى أيضاً النهر المقلوب‏:‏ لجريه من الجنوب إلى الشمال وغالب الأنهر إنما تجري من الشمال إلى الجنوب واسمه القديم نهر الأرنط وأوله نهر صغير من ضيعة قريبة من بعلبك في الشمال عنها على نحو مرحلة تسمى الرأس ويمتد من الرأس شمالاً حتى يصل إلى مكان يسمى قائم الهرم بين قرية جوسية و الرأس ويمر في وادٍ هناك وينبع من هناك أكثر ماء النهر من موضع يسمى مغارة الراهب ويمتد شمالاً حتى يتجاوز جوسية ويمتد حتى يصب في بحيرة قدس غربي حمص ويخرج من البحيرة ويتجاوز حمص إلى الرستن ويمتد إلى حماة ثم إلى شيزر ثم إلى بحيرة أفامية ثم يخرج من بحيرة أفامية ويمر على دركوش ويمتد إلى جسر الحديد وذلك جميعه شرقي جبل اللكام‏.‏

فإذا وصل إلى جسر الحديد انقطع الجبل المذكور هناك ويستدير النهر المذكور ويرجع و يسير جنوباً بغرب ويمر على سور أنطاكية ويسير كذلك مغرباً بجنوب حتى يصب في بحر الروم عند السويدية‏.‏

ويصب في العاصي عدة أنهر‏:‏ منها‏:‏ نهر منبعه من تحت أفامية يسير مغرباً حتى يصل إلى بحيرة أفامية ويختلط بالعاصي‏.‏

ومنها‏:‏ نهر في شمال أفامية على نحو ميلين يعرف بالنهر الكبير يسير مدىً قريباً ويصب في بحيرة أفامية ويخرج منها مع العاصي‏.‏

ومنها‏:‏ النهر الأسود ويجري في الشمال ويمر تحت دربساك ويمتد حتى يصب في بحيرة أنطاكية ويخرج منها ويصب في العاصي‏.‏

ومنها‏:‏ نهر يغرا - بفتح الياء المثناة تحت وسكون الغين المعجمة وفتح الراء المهملة ثم ألف مقصورة - بلدة هناك يمر عليها ويصب في النهر الأسود المذكور‏.‏

ومنها‏:‏ عفرين - بكسر العين المهملة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحت ونون في الآخر - وهو نهر يأتي من بلاد الروم و يمر على الرواندان إلى الجومةويمر في الجومة إلى العمق ويختلط بالنهر الأسود‏.‏

الثالث نهر الأردن‏.‏

و الأردن بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الدال المهملة أيضاً وتشديد النون‏.‏

كذا ضبطه السمعاني في اللباب قال‏:‏ وهي بلدة في بلاد الغور من الشام نسب إليها النهر ويسمى الشريعة أيضاً وأصله من أنهار تصب من جبل الثلج إلى بحيرة بانياس ثم يخرج من البحيرة المذكورة ويصب في بحيرة طبرية ويمتد جنوباً وهناك يصب في اليرموك بين بحيرة طبرية المذكورة و بين القصير ويمتد في وسط الغور جنوباً حتى يجاوز بيسان ويمتد في الجنوب كذلك إلى أريحا ولا يزال يمتد في الجنوب حتى يصب في بحيرة زغر وهي البحيرة المنتنة المعروفة ببحيرة لوط‏.‏

الرابع نهر العوجاء - بفتح العين المهملة و سكون الواو وفتح الجيم وبعدها الألف - ويسمى أبي فطرس بضم الفاء وبالطاء والراء والسين المهملات وهو نهر شمالي مدينة الرملة من فلسطين باثني عشر ميلاُ ومنبعه من تحت جبل الخليل عليه السلام مقابل قلعة خراب هناك تسمى مجد اليابا ويجري هذا النهر من الشرق إلى الغرب ويصب في بحر الروم جنوبي غابة أرسوف ومن منبعه إلى مصبه دون مسفة يوم‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ وما التقى عليه جيشان إلا غلب الغربي و انهزم الشرقي وسيأتي الكلام على أنهار دمشق في الكلام على حاضرتها إن شاء الله تعالى إذ لا يتعداها إلى غيرها من البلاد‏.‏

الخامس نهر جيحان‏.‏

بفتح الجيم و سكون الياء المثناة تحت و فتح الحاء المهملة وبعد الألف نون - وتسميه العامة جهان - بجيم وهاء مفتوحتين وألف وثم نون وربما زادوا ألفاً بعد الجيم فقالوا جاهان وإليه تنسب الفتوحات الجاهانية الآتي ذكرها‏.‏

قال‏:‏ في رسم المعمور‏:‏ وأوله عند طول ستين درجةً و عرض أربعين درجةً وهو نهرٌ يقارب الفرات في الكبر ويمر بسيس ويسير من الشمال إلى الجنوب بين جبال في حدود الروم حتى يبلغ المصيصة من شماليها حيث الطول تسع و خمسون و كسر و العرض ست وثلاثون درجةً وعرض خمس عشرة وجريانه عندها من المشرق إلى المغرب ويتجاوز المصيصة ويصب بالقرب منها في بحر الروم‏.‏

السادس نهر سيحان‏.‏

بفتح السين المهملة و سكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ونون‏.‏

قال في رسم المعمور‏:‏ وأوله عند طول ثمان وخمسين وعرض أربع وأربعين ويمر ببلاد الروم إلى الجنوب عند مجرى جيحان المتقدم ذكره ويسير حتى يمر ببلاد الأرمن ويمر على سور أذنة من شرقيها حيث الطول تسع و خمسون بغير كسر والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقةً ويتجاوز أذنة ويلتقي مع جيحان المتقدم ذكره و يصيران نهراً واحداً ويصبان في نهر الروم بين آياس و طرسوس على ما تقدم ذكره‏.‏